فصل: باب: ما يكون ظهاراً وما لا يكون ظهاراً:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: إيلاء الخصي غير المجبوب والمجبوب:

9492- الخصيّ إذا لم يكن مجبوباً، فآلى، فهو بمثابة الفحل يولي، وكذلك إذا جُبّ من ذكره البعضُ، وبقي ما يتعلق به الجماع التام.
فأما المجبوب الذي استؤصل ذكره، أو بقي منه ما لا يتعلق به الجماع، فقد اختلف أصحابنا في إيلائه، فمنهم من قال: في المسألة قولان:
أحدهما: ينعقد إيلاؤه.
والثاني: لا ينعقد.
من قال لا ينعقد قال: إنه حلف على الامتناع عن أمرٍ يستحيل منه الإقدام عليه، فكان كلامه لغواً، وأيضاً فإن الإيلاء مبناه على قطع رجائها وإظهار الضرار من هذه الجهة، وهذا لا يتحقق من المجبوب.
والقول الثاني- أنا نجعله مولياً، لأن عماد الإيلاء الإيذاء باللسان، وقد تحقق ذلك منه.
ومن أصحابنا من قطع بأن إيلاءه لا يصح ويلغو، وإنما القولان فيه إذا آلى وهو فحلٌ ثم جُبّ، ففي قولٍ ينقطع الإيلاء، وفي قولٍ يبقى، ويكون ما طرأ مانعاً من الوقاع، مؤدياً إلى الاكتفاء بفيئة اللسان.
ومن أصحابنا من قطع بأن إيلاءه لا يصح، وإن طرأ الجب، انقطع.
وهذا هو الذي لا يصح-على التحقيق- غيره؛ فإن اليمين يستحيل فرض بقائها مع استحالة الحِنْث.
ولو قال: إن وطئتك، فعبدي حر، ثم إنه أنشأ إعتاقه، فالإيلاء ينحلّ بامتناع لزوم شيء عند فرض الوطء، والجبُّ بذلك أولى.
قال الشيخ أبوعلي: إيلاء الفحل عن الرتقاء بمثابة إيلاء المجبوب في جميع ما ذكرناه، اقتراناً وطرياناً.
9493- ثم إذا حكمنا بثبوت الإيلاء إما في صورة الاقتران، وإما في صورة الطريان، فالطّلبة تتوجه بعد المدة بفيئة اللسان.
ثم قال الأصحاب: ليقل إذا توجهت الطلبة: لوْ قدرتُ، لوطئتك، وهذا سبيل المعذور الذي يرجى زوال عذره، وما يذكر في فيئة المعذور الذي يرجى زواله شيئان:
أحدهما: الاعتذار بالمانع الواقع، والثاني: وعدٌ بالإصابة عند الزوال، قال الأصحاب: لابد منهما، والاقتصارُ على إحداهما لا يكفي، ولو اقتصر على أحدهما، طُلّقت عليه زوجته.
والرأي عندنا أنه لو اقتصر على الوعد، فقال: إذا ارتفع مرضي، أصبتك، فهذا كافٍ، وإن لم يقل: لولا المرض، لأصبتك الآن؛ فإن التعويل على الوعد عند ارتفاع المانع، ولكن الأصحاب ذكروا الأمرين.
أما المجبوب، فلا يتصور منه الوطءُ، وفيئتُه أن يقول: لولا المانع، لوطئتك، وهذا عندي في حكم العبث الذي لا يليق بمحاسن الشرع مثله، وضرب المدة أقبح من الكُل، فإنه مَهَلٌ أثبت لمن يُرجى منه الوطء فكيف يُتخيل هذا في المجبوب.
فرع:
9494- قدمنا من رأي الأصحاب كافة أن الرجل إذا قال لأجنبية: إن وطئتك، فعبدي حر، أو قال: والله لا أجامعك، ثم نكحها، فلا يكون مولياً، وإن كان يلتزم بالوقاع بعد أربعة أشهر أمراً؛ لأن هذا تقدَّم على الملك.
وذكر صاحب التقريب وجهاً عن بعض الأصحاب أنه يكون مولياً، وهذا لا خروج له إلا على قول غريب، حكاه صاحب التقريب في أن تعليق الطلاق قبل الملك يصح، كما ذهب إليه أبو حنيفة، وهذا على نهاية البعد، ولم أره إلا له، ولم أذكر هذا في أثناء الكلام؛ حتى لا يُعتد به.
فرع:
9495- إذا آلى الرجل عن امرأته، فلما انقضت المدة، زعم أنه عاجز عنّين، فالذي ذهب إليه الأصحاب أنا نضرب له المدة، ثم نحكم بعد انقضائها حُكْمَنا في العنة.
وحكى العراقيون وجهاً غريباً أنه لا يقبل ذلك منه، وتطلق عليه زوجته على قولٍ أو نحبسه إن لم يطلق، وليس كما لو ظهر به مرض يغلب على الظن عجزه بسببه، وهذا الوجه لا اعتداد به، وقد نقله العراقيون ثم زيّفوه والله الموفق للصواب.

.كتاب الظهار:

9496- صورة الظهار أن يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، ومقتضاه على الجملة أن تَحْرُمَ عليه زوجته، مع استمرار النكاح، ويدوم التحريم حتى يكفّر.
والأصل في الظهار مفتَتَحُ سورة المجادلة، وسبب النزول ما روي أن خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت أخي عُبادة، شرعت في الصلاة، فدخل زوجها، وهمّ بقِربانها، فخالفته، وامتنعت عليه، فغاظه ذلك، فقال: أنت عليّ كظهر أمي، وكان الظهار طلاقاً في الجاهلية مؤكداً، فلما قال ذلك، اغتمّت خولة، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في حجرة عائشة، وكانت تمشط رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت خولة: كنت شابة يا رسول الله ذاتَ جمال ومال، فلما كبر سني ونفد مالي، جعلني أوسُ على نفسه كظهر أمه فقال صلى الله عليه وسلم: «حرمت عليه»، فقالت: يا رسول الله، انظر في أمري، فإن لي معه صحبة، وإني لا أصبر عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: «حرمت عليه»، فكررت ذلك، وهو عليه السلام يقول: «حرمت عليه»، فلما أيست، اشتكت إلى الله تعالى، فنزل قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1] قالت عائشة: كانت تُسارّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أسمع من كلامهما الكلمة والكلمتين، فنزلت الآيات مشتملة على قواعد الظهار.
ثم إن الشافعي رضي الله عنه، صدّر الباب ببيان من يصح ظهاره، ثم عقّبه بمن يصح الظهار عنه. فأما الفصل الأول:
9497- فحدُّ المذهب فيمن يصح ظهاره أن يقال: من كان من أهل الطلاق، كان من أهل الظهار، وهذا يطّرد وينعكس على مذهب الحدود، ثم يتعلق الطلاق بالظهار طرداً وعكساً، كما يتعلق الظهار بالطلاق.
ثم أجرى الكلامَ رضي الله عنه إلى المسألة الخلافية في الذمي وأبان أنه من أهل الظهار، كما أنه من أهل الطلاق، وخالف أبو حنيفة في المسألة، وصار إلى أن الذمي ليس من أهل الظهار؛ بناء على أن الكفارة لا تصح منه ولا تلزمه، والظهار عاقبته الكفارة، ومن مذهب أبي حنيفة أن الكافر ليس من أهل التزام الكفارة، ونصّ مذهب الشافعي أن الكافر من أهل التزام الكفارة المالية، وليس من أهل الصوم، ولا خلاف أن الكافر الأصلي لا يلتزم الزكاة، وعَقْدُ المذهب أن الزكاة وظيفةٌ أُثبتت عبادةً على المسلم، ليس فيها معنى التغليظ، بخلاف الكفارة؛ فإنها مضاهية للحدود، ثم ليس في نفي الكفارة ما يوجب نفي تحريم الظهار، كما قررناه في (الأساليب).
فالذمي إذاً من أهل الإعتاق، فإن لم يجد، لم يكن من أهل الصوم، ثم لا تجزىء إلا المؤمنة عندنا، وقد نمنعه من ابتياع عبد مسلم، فلو قال لمسلمٍ: أعتق عبدك عن كفارتي، ففي ذلك وجهان، قدمنا ذكرهما في كتاب البيع؛ فإن لم نجوّزه، انحسم العتق، إلا أن يكون له عبد كافر، فيسلم، أو يرث عبداً مسلماً.
فإن كان معسراً متمكناً من الصوم، فالذي ذكره القاضي أنه لا ينتقل إلى الإطعام، فلا يصير الكفر عذراً في حقه يجوّز له الانتقالَ إلى الإطعام، فإن أراد الخلاص من التحريم، فليسلم وليصم، وإلا استمر التحريم.
وهذا فيه نظر؛ فإن الخطاب بالعبادة البدنية لا يجب على الكافر الأصلي، فكأنّ الصوم مُخرَجٌ من كفارة الذمي، وهي آيلة في حقه إلى الإعتاق والإطعام.
وقد يَرِدُ عليه أن الإطعام بدلُ الصيام، ولا يجوز تقدير البدل في حق من لا يتحقق في حقه المبدل، فنُحْوَجُ عند ذلك إلى تقدير الكفر بمثابة العجز، وهذا يوجب إسقاط الخطاب؛ فإن العاجز لا يخاطَب بالصوم.
والذي يؤكد ما ذكرنا أن حكمنا على الذمي بتأبد حرمة الظهار عليه بعيدٌ، وحمله على الإسلام بعيدٌ، وقد يكون في حمله على ذلك حملٌ على الإسلام، والمسألة على الجملة محتملة.
فهذا تفصيل القول فيمن يُظاهِر.
الفصل الثاني
9498- فأما التي يصح الظهار عنها، فيطرد في هذا النسق اعتبارُ الطلاق أيضاً، فكل امرأة يلحقها الطلاق يلحقها الظهار، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة.
والبائنة لا يلحقها الطلاق، ولا يثبت في حقها الظهار، والرّجعية يلحقها الطلاق والظهار، والمرتدة الممسوسة إذا فُرض الظهار عنها، كان كما لو فرض تطليقها، والطلاق والظهار فيها يبتنيان على الترقب، فإن استمرت على الردة حتى انقضت العدة، فلا طلاق ولا ظهار، ولو عادت قبل انقضاء العدة، فنتبين وقوع الطلاق والظهارِ.
والإيلاءُ يجاري الطلاق والظهار، فهذه الخلال الثلاث تتلازم، غير أن الأصح أن الإيلاء لا يصح من المجبوب، ولا يصح إيلاء الفحل من الرتقاء، وظهار المجبوب صحيح كطلاقه، والظهار من الرتقاء صحيح كتطليقها، والفرق أن الإيلاء يختص بالوقاع، فلا ينعقد حيث لا يفرض تصوّره.
والظهار يحرِّم الوقاع وجملةَ الاستمتاعات، ولو فرض الإيلاء معقوداً بما دون الجماع من الاستمتاعات، مثل أن يقول: والله لا أُقبِّلك أو أفاخذُك، فاليمين تنعقد ولا يثبت حكم الإيلاء.
ثم إذا ظاهر عن الرجعية، لم يخل إما أن يتركها حتى تنسرح أو يرتجعها، فإن تركها حتى انسرحت، فقد ظاهر، ولم يَعُد، فلا تلزمه الكفارة.
وهذا فيه وقفة؛ من جهة أن تطليق الرجعية إن كان لا يفيد مزيد تحريم؛ فإنه يقطع سلطته في الرجعة؛ من جهة أن من يملك ثلاث طلقات يفرض له رجعتان، فإذا طلق واحدة، ثبتت له رجعة، ولو طلق الثانية، قطع بها رجعة، وفيه تنقيص العُدَد، والظهار ليس فيه ما يتضمن التأثير في الملك، والرجعية محرمة، ولم يتفق عَوْدٌ فتجب الكفارة، ولا يبقى في الظهار فائدة إلا تحريم محرمة، ولكن التحريم حكم من الأحكام، وقد يَثْبت الحكم الواحد بعلل، وتحقيق هذا في الأصول.
ثم إذا ظاهر عن الرجعية، وراجعها، فهل نجعل نفسَ الرجعة عوداً أم لا؟ فيه وجهان وسنذكر ذلك عند ذكرنا معنى العَوْد، إن شاء الله تعالى.
فصل:
قال: "ولو تظاهر من امرأته وهي أَمَةٌ، ثم اشتراها... إلى آخره".
9499- نذكر في أول الفصل رسْم العَوْد حتى إذا أردنا التفريع عليه لم يخف المراد على المنتهي إليه.
فالمذهب الذي عليه التفريع أن معنى العَوْد أن يمسك المظاهر امرأته زماناً، لو أراد أن يطلقها فيه، لأمكنه، فإذا ظاهر، ثم لم يطلّق مع التمكن منه، حتى مضى زمان إمكان الطلاق، فهذا مُظاهرٌ عائد، ومعنى العود في وضع اللسان إذا أردنا تطبيقه على المعنى أن الذي قال: أنت عليّ كظهر أمي أتى بلفظةٍ متضمّنها التحريم؛ فإذا أمسكها، فكأنه لم يحقق ذلك التحريمَ، فكان كالمناقِض، وسمي عائداً، على مذهب قول القائل: قال فلان قولاً، ثم عاد فيه نقضاً ورفضاً، وعاد فلان في هبته.
وإذا ظاهر وطلّق، قيل: مُظاهرٌ غير عائد، أي أظهر تحريماً ثم حققه.
هذا معنى العَوْد على الجملة، وسيأتي تفصيله في موضعه، إن شاء الله.
9500- فإذا بان هذا، قلنا بعده: إذا ظاهر الرجل عن زوجته الأمة، وعاد في ظهاره، والتزم الكفارة، ثم إنه اشتراها، فإنا نحكم بانفساخ النكاح بطريان الملك، وهل يستبيحها بملك اليمين؟ ظاهر المذهب أنه لا يستبيحها؛ فإن تحريم الظهار ممدود إلى التكفير، وهذا ظَاهَر والتزم الكفارة بالعَوْد، ولم يكفّر.
ومن أصحابنا من قال: يحل له وطؤها بملك اليمين؛ فإن الظهار يوجب التحريم في النكاح، ويمنع الاستباحةَ به، والدليل عليه أنه لو قال لأمته: أنت عليّ كظهر أمي، لم تحرم، ولم يكن للظهار معنى، ولم تجب الكفارة، فإذا انتهى الأمر في الأثناء إلى ملك اليمين، فقد انقطع محل الظهار.
وهذا يجري في مسألتين: إحداهما- أنه إذا طلق زوجته الأمة ثلاثاًً، بعدها جرى الحكم بأنها محرّمةٌ عليه حتى تَنْكِح زوجاً غيره، فلو اشتراها، فهل يستبيح وطأها قبل أن تنكِح زوجاً آخر؟.
فيه خلاف قدمته؟ والأظهر أنه لا يستبيحها.
وألحق القاضي ما لو لاَعَن عن زوجته، وحرمت عليه، ثم اشتراها، قال: في استباحتها بملك اليمين الوجهان، فتحصلت ثلاث مسائل، والظاهر في جميعها استمرار التحريم، وذكرُ الخلاف في اللعان بعيدٌ مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتلاعنان لا يجتمعان أبداً».
وهذا تهويلٌ، والقياس طرد الخلاف، ولكن إن حكمنا بأن اللعان لا يجري في ملك اليمين، أو قلنا: إنه يجري ولا يوجب التحريم؛ لأنه مخصوص بضرورة نفي النسب، فالخلاف الذي ذكرناه مذكور، فأما إذا قلنا: اللعان يجري في ملك اليمين ويحرّم المملوك على الأبد، فيبعد ذكر الخلاف، مع العلم بأن تحريم اللعان لا ينافي ملك اليمين.
وهذا كله فيما يوجب تحريماً ولا يوجب محرميّة.
فأما ما يوجب التحريم والمحرمية، فيستوي فيه النكاح وملك اليمين، كالنسب والرضاع والصهر.
وكل ما ذكرناه فيه إذا ظاهر عن امرأته وعاد والتزم الكفارة، ثم اشتراها.
9501- فأما إذا قال للزوجة الأمة: أنت عليّ كظهر أمي، ثم قال على الاتصال: اشتريتها، فهل نجعل هذا تحقيقاً للظهار، ناقضاً للعَوْد؛ من جهة أن الملك إذا حصل، تضمن حصولَ الفراق، فإذا أعقب المظاهرُ الظهارَ بسببٍ من أسباب الفراق، لم يلتزم الكفارة إذا لم تُلتزم، فَتَحِلّ هذه بملك اليمين؟.
اختلف أصحابنا في المسألة: فذهب بعضهم إلى أن هذا يناقض العَوْدَ؛ من حيث إنه قاطع للنكاح، وقال آخرون: ليس ذلك مناقضاً للعَوْد؛ فإن المناقض للعَوْد هو الذي يحقق التحريمَ كالطلاق، والشراءُ وإن كان يرفع النكاح؛ فإنه سببُ استحلالٍ، فقد نقلها من سبب حلٍّ إلى سبب حل، ومن فراش إلى فراش، فإن لم نجعله عائداً، فقد حقّق الظهار وانتهى، وتحِل هذه بملك اليمين.
وإن قلنا: لا يكون الشراء مناقضاً للعَوْدِ، فهو عَوْدٌ؛ فإنه ترك الطلاق مع القدرة عليه، ثم إذا جعلنا هذا عوداً، فيلتزم الكفارة، وفي استباحتها بملك اليمين الخلاف الذي ذكرته، وسنعيد فصل الشراء في فصل العوْد إذا خُضنا في بيانه، ثم نذكر عنده أن الاشتغال بأسباب الشراء قد ينزل منزلة الشراء.
9502- قال الشيخ أبو علي لو ظاهر وعاد، ثم اشتراها وانفسخ النكاح، وأعتقها، ثم نكحها، لم يستحل وطأها في النكاح الثاني حتى يكفر وجهاً واحداً؟ فإن التردد الذي ذكره الأصحاب في الاستباحة بملك اليمين، فأما الاستباحةُ بالنكاح مع بقاءٍ كفارة الظهار، فلا سبيل إليه، وقد يختلج في نفس الفقيه تخريجُ هذا على عَوْد الحنث مصيراً إلى أنه بالظهار تَصَرَّفَ في النكاح الأول، وقد تَصَرَّم ذلك النكاح، فلا يبعد أن يتصرم ما فيه، وتبقى الكفارة في ذمته إلى أن يخرج عن عهدتها.
والذي يوضح هذا أن الطلاق على أثر الظهار أسقط أثرَ تحريم الظهار، وهذا إن ظنه ظانٌّ، فلا أصل له في قول المشايخ، والذي رأيناه القطع بما ذكرناه، فلو ظاهر الرجل عن امرأته وعاد، ثم أبانها، ثم نكحها، لم يجامعها حتى يكفر؛ ولعل السبب فيه أن الظهار يتضمن تحريماً من غير أن يؤثر في الملك، فلا يقطعه زوال الملك.
وقد ذكرنا إجراء القولين في الإيلاء، والسبب فيه أن الإيلاء يتعلق عاقبته بالطلاق، وعوْدُ الحنث أصله الطلاق وهو مشبّه به.
ولو قال لامرأته: إن دخلت الدار، فأنت عليّ كظهر أمي، ثم أبانها ونكحها، فدخلت الدار، خرج ذلك على عَوْد الحِنْث، فإنه جرى يميناً كالإيلاء وتعليق الطلاق.
وينتظم من ذلك أن التعليق واليمين يجري فيهما أقوال العَوْد؛ لأن المقصود منهما مرتقب غير ناجز، والظهار إذا حَرَّم، فقد تنجز، ثم ارتفاعه معلّق شرعاً بالتكفير؛ فتجدّد النكاح وتعدّده لا يؤثر في رفع ما وقع، وهذا متجه، وهو يُقَوِّي تحريمَها بملك اليمين أيضاًً.
هذا منتهى النقل والتوجيه والتنبيه، والله المستعان.
9503- ثم ذكر الشافعي رضي الله عنه ظهار السكران وقد استقصيت الكلام فيه في كتاب الطلاق، والذي عثرت عليه هاهنا أنا إذا قلنا: تصرّفُ السكران نافذٌ، فهذا مطّرد وهو ينطق ويخاطَب ويُجيب، فأما إذا كان في السكر الطافح، فبدرت منه كلمةٌ من حَلٍّ، أو عقدٍ، أو تحريمٍ، أو تحليل، فالذي قدمتُه أن ذلك لاغٍ، وليس يسمى كلاماً، وهذا صحيح.
وحكى شيخي أن ذلك نافذٌ؛ تغليظاً وتشديداً وإن بعد هذا عند إنسان، قيل له: السكران الذي ينطق ويجيب على صورة المجنون، ثم نفذت ألفاظه، فليكن السكر الطافح كذلك.
وهذا يعارضه أن ما صدر منه لا يسمى كلاماً، فليتصوّر منه نطق، ثم يقع النظر بعده في تصحيحه ورده، ويجوز أن يجاب عنه، فيقال: من كلام الناس: أن فلاناً كان يتكلم نائماً، وهذا تلبيس؛ فإن ذلك يذكر على مذهب التجوّزِ والتشبيهِ، واللفظُ الحق فيه أنه هذى وما تكلم.

.باب: ما يكون ظهاراً وما لا يكون ظهاراً:

9504- الكلمة الشائعةُ في الجاهلية والإسلام في الظهار أن يقول: أنت علي كظهر أمي، ثم لا مناقشة في الصلات إذا انتظم الكلام، فلو قال: أنت عليّ كظهر أمي، أو أنت معي كظهر أمي، أو مني كظهر أمي، فهذه الصلات كلها شائعة لا تتغير بها مراتب الكلام.
ولو لم تستعمل صلة، فقال: أنت كظهر أمي، فذلك صريح، هكذا ذكره القاضي، وإن كان يحتمل أن يريد أنها كظهر أمه في حق غيره، ولكن لا نظر إلى هذا، كما لو قال لامرأته: أنت طالق، ثم قال: أردت بذلك الإخبار عن كونها طالقاً من جهة فلان.
9505- ولو شبّه امرأته بعضوٍ آخر من أعضاء الأم سوى الظهر، فقال أنت عليّ كـ (يَدِ) أمي، أو كـ (رِجل) أمي، أو كـ (بطن) أمي، فلأصحابنا طريقان: منهم من أجرى في غير الظهر من الأعضاء التي لا يشعر التشبيهُ بها بالإكرام قولين:
أحدهما: وهو المنصوص عليه في الجديد أن الظهار يثبت.
والثاني: وهو المنصوص عليه في القديم أن الظهار لا يثبت.
ومنشأ القولين أن الشافعي رحمه الله في الجديد قد يتبع المعنى؛ فلا يرى اتباع صيغة اللفظ المعهود في الجاهلية حقّاً، وكان في القديم لا يرى إلا الاتباعَ ومعهودَ الجاهلية، وهذا بعينه مأخذ القولين المذكورين في الإيلاء، فالجديد مبناه على أن يلتزم بالوطء بعد أربعة أشهر أمراً، ولا يختص الإيلاء على ذلك باليمين بالله، كما سبق تفصيله، وفي القديم رأى اتّباع معهود الجاهلية، وهذا يوجب ألا يثبت الإيلاء إلا بالحلف بالله تعالى، أو بصفةٍ من صفاته، وهؤلاء من أصحابنا أجرَوْا القولين فيه إذا قال: أنت عليّ كفرج أمي، ولم يستثنوا من الأجزاء إلا ما في ذكره معنى الكرامة على ما سنصفه.
وقال شيخنا أبو علي رحمه الله: إذا قال: أنت عليّ كفرج أميّ، فهذا ظهار قولاً واحداً، فإنه تصريح بالمقصود، والتشبيه بعضو آخر تسبُّبٌ لهذا، ونحن وإن كنا نقتصر على موارد النصوص في بعض المواضع، فلا ننتهي إلى منع الإلحاق بالكلية، بل نُلحق بالمنصوص عليه ما في معناه.
هذا بيان القول في تشبيه الزوجة بجزء من أجزاء الأم غيرِ الظهر، إذا كان الجزء غيرَ مشعر بالكرامة.
9505/م- ولو قال: أنت علي كعين أمي أو كروح أمي، فإن أراد ظهاراً، كان ظهاراً على الجديد، وإن أراد الكرامة، فليس بظهارٍ؛ فإن لفظه محتمل لذلك، وإن أطلق لفظه، اختلف أصحابنا في المسألة، فمنهم من جعله كرامة، وقد حُكي ذلك عن القفال.
ومنهم من جعل المطلق محمولاً على الظهار، وهو اختيار القاضي؛ فإن اسم العضو صريح في الحرمة، والكرامةُ تعرض ضمناً إذا قُصدت، فإذا كان اللفظ مطلقاً، وجب التمسك بحمل اللفظ على العضو نفسه.
وهذا الذي ذكرناه تفريعٌ على أن التشبيه بالبطن وما في معناه ظهارٌ، فإنا إذا كنا لا نجعل التشبيه بالبطن ظهاراً، فالتشبيه بالعين أولى ألا يكونَ ظهاراً.
ولو قال: أنت عليّ كرأس أمي، اختلف أصحابنا: فمنهم من قال: الرأس من أعضاء الكرامة كالعين، وقد سبق التفصيل فيه.
ومنهم من قال: الرأس كالبطن، وقد تقدم الكلام فيه أيضاًً، والمسألة محتملة.
9506- ولو قال لامرأته أنت كأمي، فإن نوى أنك بمحلّ أمي كرامةً وتعظيماً، فما قاله محتمل، ولا يصح الظهار، ولو أراد الظهار، فهو ظهار؛ تفريعاً على الجديد.
ولو أطلق، فعلى اختلاف الجواب.
قال صاحب التلخيص: هذا الأصلُ على مناقضة الأصول؛ فإن الطلاق إذا أضيف إلى الجملة كان صريحاًً، وإذا أضيف إلى البعض، حُمل على الصريح، بتسريةٍ أو تكلّفِ معنى آخر، والظهار إذا أضيف إلى الظهر وهو جزء من الجملة، كان صريحاًً؛ فإنه معهود الجاهلية، وإذا أضيف إلى الجملة، كان متردداً، كما نبهنا عليه.
ثم ذكر صاحب التلخيص ألفاظاً تضاف إلى الأبعاض، ولا خفاء بمعظم ما ذكره، ونحن نذكر ما نرى فيه فائدة، قال: النكاحُ والرجعةُ إذا أضيفا إلى البعض، لم يصح واحد منهما، والضابط فيه أن ما لا يُعلّق لا يضاف إلى البعض، ويخرج منه أن الطلاق والعَتاق يعلّقان، فلا جرم يضافان إلى الأجزاء، والظهارُ يقبل التعليق أيضاًً، وهو في وضعه مضاف إلى عضو.
9507- ولو قال: والله لا أجامع نصفك، فإنّا نقدم عليه أصلاً، فنقول: لو أضاف اليمين إلى عضوٍ معيّن، فهل يكون مولياً؟.
إن أضافه إلى الفرج، كان مولياً فإنه صرّح بالمقصود، ونصَّ، وتعرّض للغرض، وخصّه بالذكر، فلو قال: والله لا أجامع فرجك، والله لا أولج ذكري في فرجك، فهذا إيلاء.
ولو قال: والله لا أجامع بعضك قال صاحب التلخيص: لا يكون مولياً، قال الشيخ: وعندي أنه لو قال والله لا أجامع بعضك، فنوى بذلك البعض فرجها، فيكون مولياً؛ فإن اسم البعض صالح للفرج، فأما إذا ذكر جزءاً شائعاً؛ فقال: والله لا أجامع نصفك، قال الشيخ أبو علي: لا يكون مولياً إذا قصد الإشاعة، فإن اليمين ليست مفهومةً على الشيوع في النصف.
هذا ما ذكره الشيخ، وفيه فضل نظر، فنقول: إن أراد بالنصف أسافلها، فهو كما لو ذكر البعضَ وأراد به الفرجَ، وإن زعم أنه أراد بالنصف النصفَ الشائع حقاً، فالذي ذكره الشيخ: أن هذا ليس بإيلاء، أما أن نجعله صريحاًً، فلما ذكره وجهٌ؛ فإن لفظ المجامعة مستعار في الأصل، وُضِع كنايةً، وإلا فهو من المضامّة التي تناقض المفارقة، ثم استفاضت وشاعت حتى التحقت بالصرائح، وشرط كون هذا اللفظ صريحاًً أن يستعمل على المعهود والمعتاد، فإن لم يستعمل كذلك، لم يكن مشعراً بالمعنى وضعاً ولا عرفاً، وهذا تعليل قولنا: إن هذا ليس بصريح.
وإن أراد أنه لو نوى بالجماع المقصودَ المحقق وأضافه إلى النصف الشائع، فلا يكون مولياً، فهذا قد يتطرق إليه وجه في الاحتمال؛ فإنه إذا نوى بقلبه المقصودَ، صار ذلك المعنى كالطلاق، ثم الطلاقُ لا يصح اعتقاد وقوفه على النصف الشائع، غيرَ أنه يتعداه ويثبت في الجميع، فلو قيل بهذا في الإيلاء، لم يكن بعيداً.
ويجوز أن يقال: الجماع معنى معلوم لا يعقل إضافته إلى الجزء الشائع، والطلاق يعقل إضافته إلى الجزء الشائع، كما يعقل إضافة العتق إليه، وكما يصح إضافة البيع والرهن إليه.
ثم قولنا: لا يقف على النصف حكمٌ، ومقصود الجماع فعل محسوس وإضافته إلى الجزء الشائع غير معقول.
هذا منتهى المراد في ذلك.
9508-و مما ذكره صاحب التلخيص أنه لو قال: زنا فرجُك أو دبرك، فهو صريح في القذف، وهو بمثابة قوله: زنيت.
ولو قال: زنى بدنك، فهل يكون صريحاًً في القذف، فعلى وجهين ذكرهما الشيخ، ووجه الاحتمال فيه بيّن. ولو قال الرجل: زنى بدني، لم يكن ذلك صريحاً في الإقرار بالزنا، والفرق بين الإقرار وبين القذف عسر، فالوجه طرد الوجهين فيهما.
9509- ومما ذكره الأئمة أنه لو شبه امرأته بغير أُمِّه من محارمه، مثل أن يشبهها بجدته، أو أخته من النسب، أو الرضاع، أو من تحرم عليه بالصهر، فكيف السبيل في هذه الألفاظ؟
المنصوص عليه في القديم أنه لا يكون مظاهراً إذا تعدى التشبيه بالأم، وهذا يُخرَّج على اتباعِ معهود الجاهلية، كما تقدم، واستثنى معظم الأئمة الجدةَ، وجعلوها كالأم، وحكموا بأنه يكون مظاهراً في الجديد والقديم؛ فإن الجدة تسمّى أماً.
ومن أئمتنا من أجرى في الجدة القولين، فأما من عَدَا الجدات من المحرمات بالنسب، فالقولان جاريان في التشبيه بهن.
والمحرمات من الرضاع إذا جرى تشبيهٌ بهن، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يكون مظاهراً؛ لأنه على خلاف معهود الجاهلية.
والقول الثاني- أنه يكون مظاهراً إذا كانت المشبه بها مَحْرَماً حالة التشبيه.
والقول الثالث: أنها إن لم يعهدها الرجل إلا محرّمة، فالتشبيه بها ظهار، فإن كانت مستحلّة في حياته، ثم طرأ التحريم برضاع طارىء، فالتشبيه بها لا يكون ظهاراً.
وأما التشبيه بالمحرمات بالصهر، ففي أصله خلاف: من أئمتنا من قال: لا يكون المشبّه بالمحرمات صهراً مظاهراً؛ فإن الرضاع إن تبع؛ من حيث إنه ينبت اللحم ويُنشِز العظمَ، فالصهر لا يلتحق به.
ويُبعد من أصحابنا من قال: المحرمات بالصهر في التشبيه بهن بمثابة المحرمات بالرضاع، ثم تجري الأقوال الثلاثة التي ذكرناها في المحرمات بالرضاع.
9510- ولو قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أبي، فقد وجدت الطرقَ متفقة على أن هذا لا يكون ظهاراً؛ فإنه اجتمع فيه أنه ليس معهودَ الجاهلية، وليس من شخص يتوقع فيه استحلال، حتى إذا لم يكن الحل وكانت الحرمة بغرض التشبيه.
ولا خلاف أن تشبيه المرأة المحرمة تحريماً مؤقتاً لا يكون ظهاراً، مثل أن يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر فلانة، وكان طلقها ثلاثاً، وكذلك أجمعوا على أن التشبيه بالتي لاعن عنها لا يكون ظهاراً، وإن كانت الملاعَنةُ محرَّمةً على الأبد، فلا يقع الاكتفاء بالتحريم، حتى ينضم إليه المحرميّة.
9511- ومأخذ الكلام في هذه المسائل أن الشافعي في القديم اتبع النصَّ ومعقودَ الجاهلية، ولم ير الحيدَ عنه بطريق المعنى، ورأى في الجديد اتباعَ المعنى، ولم ير الإبعاد بالكلِّيّة، وطَرْدَ التحريمِ، بل شبّه وقرّب، ولم ير التمسك بالقياس المحض من كل وجه، فإن هذا تصرّف منه في الأصل، والأقيسة لا تجول في الأصول على اتساعٍ، ولابد وأن تكون مضبوطة بنوعٍ من الاتّباع.
فإذا ترقى الناظر إلى الفروع فيتسع عند ذلك مجاله في القياس.
فصل:
قال: "ويلزم الحنث بالظهار، كما يلزم بالطلاق... إلى آخره".
9512- الظهار قابلٌ التعليق بالصفات والأخطار، فإذا قال: إن دخلت الدار، فأنت على كظهر أمي، تعلق الظهار، كما يتعلق الطلاق. والظهار في تفريع المسائل مردّد بين الإيلاء وبين الطلاق، كما سيأتي بيان ذلك، ثم الطلاق يقبل التعليقَ، والإيلاء يقبل التعليقَ أيضاًً، والظهار لا يجاذبه أصل سوى ما ذكرناه.
ولو قال: إذا نكحتك، فأنت عليّ كظهر أمي، خاطب بذلك أجنبية أو بائنة، فإذا نكحها لم ينعقد الظهار، كما لا ينعقد الإيلاءُ والطلاقُ قبل النكاح.
هذا ما ذكره الأئمة وأطلقوه.
وحكى صاحب التقريب قولاً مثلَ مذهب أبي حنيفة في الطلاق، وأعاد حكايته، في الإيلاء، وكرره في الظهار، وعزاه إلى القديم، وأخذ يُجريه في الكتاب، ويفرع عليه، وهو غريب، ولولا اعتناؤه بترديده، لما حكيته.
فصل:
قال: "ولو قال: أنت طالق كظهر أمي، يريد الظهار، فهو طلاق... إلى آخره".
9513- إذا قال لامرأته: أنت طالق كظهر أمي، فالذي يجب القطع به أن كلامه يشتمل على صريح الطلاق، إذ قال: أنت طالق، فلا مدفع للطلاق، ولا مطمع في نفيه.
فإذا تبيّن هذا، بنينا عليه ما نقصد، فنقول: إن أطلق هذا اللفظَ، فهو طلاقٌ لا غير، فإن قيل: قد أتى بصريح لفظ الظهار أيضاًً، فإذا ضممنا قولَه آخراً إلى الخطاب المذكور أولاً، لكان صريحاًً؛ إذ في كلامه: "أنت كظهر أمي".
قلنا: اتصل قوله: "طالق" بقوله: "أنتِ"، فاتسق الطلاق لفظاً ونظماً، وتخلل ذلك بين الخطاب وبين آخر الكلام، فخرج بالتقطع عن كونه صريحاً، واتجه فيه إيقاعُ الطلاق، وجَعْلُ لفظ الظهار تأكيدَ التحريم، فلا يقع عند الإطلاق إذاً إلا الطلاق.
وإن نوى الظهار بقوله كظهر أمي، نظر: فإن بانت بالطلاق، فهذا ظهار بعد البينونة، والظهار بعد البينونة مردود.
وإن كان الطلاق رجعياً، فهذا ظهار عن رجعية، وحكمه ما قدمناه من الصحة، وتوقُّفِ العَوْد.
9514- وحاصل الكلام أن ما ذكر من لفظ الظهار كناية، وما ذكر من لفظ الطلاق صريح، ثم الطلاق سابق لفظاً ووقوعاً، والظهار بعده، وهذه الجملة تتضمن التفصيل الذي ذكرناه لا محالة.
ثم إذا كان الطلاق رجعياً، فقد ذكرنا أن الظهار يصح، ولا يثبت العود، وكذلك لو ظاهر عن رجعية ابتداءً، ثم إذا ارتجعها، فنفسُ الرجعة هل تكون عوداً؟ فيه وجهان ذكرناهما:
أحدهما: أنه تكون عوداً؛ لأن إمساك المرأة بعد الظهار لحظةً من حيث يناقض التحريمَ جُعل عَوْداً، فالرجعة ابتداءُ استحلال، فهو أولى بأن يكون عوْداً.
والوجه الثاني- أن الرجعة لا تكون عَوْداً؛ فإن الحلّ يحصل بها، والمناقضة إنما تتحقق بالإمساك في زمن الحل.
9515- ولو قال لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، ثم طلقها على الاتصال طلاقاً مبيناً، ثم جدد النكاح، فقد قال الشيخ: هل نجعل النكاح عَوْداً في الظهار الذي مضى في النكاح الأول؟ فعلى وجهين مرتبين على الوجهين المذكورين في الرجعة، والنكاحُ أولى بأن لا يكون عَوْداً، والسبب فيه أن الطلاق إذا كان رجعياً، فلا ينافي الظهار؛ فلا يقطعه، والظهار على الابتداء يوجَّه على الرجعيّة، فيصحّ، فإذا كان الطلاق المتصل بالظهار مبيناً، فقد انقطع الظهار بانقطاع النكاح، وهذا على قول عَود الحنث، وفيه كلام عريض سيأتي في فصلٍ مفردٍ بعد هذا، إن شاء الله.
فصل:
قال: "ولو قال: أنت عليّ حرام كظهر أمي يريد الطلاقَ، فهو ظهار... إلى آخره".
9516- هذه المسألة فيها التباسٌ، ولم يعتن بنهاية الكشف فيها أحدٌ اعتناءَ الشيخ أبي علي، وذَكَر في مقدمة المسألة فوائدَ تتعلق بلفظ التحريم، ونحن نستاق كلامه على وجهه، ونذكر ما يتعلق به من مزيد فوائد عندنا.
قال رضي الله عنه: إذا قال الرجل: أنت عليّ حرام، ونوى بذلك تحريمَها في عينها، فيلزمه كفارةُ اليمين، ثم قال: والمذهب أن الكفارة تلزم، وإن لم يطأها، فمجرد لفظ التحريم يوجب الكفارة، قال: وقد غلط بعض أصحابنا، فقال: لا يلزمه الكفارةُ من غير جماع وإن لم يكن قد نوى اليمين والحلف، وقد ذكر هذا الوجهَ صاحبُ التقريب، والعراقيون، وزيّفوه.
9517- ولو قصد بالتحريم إيلاءً، فهل يصير حالفاً؟ المذهب الذي قطع به معظم المحققين أنه لا يكون إيلاء؛ فإن عماد اليمين بالله تعالى ذكرُ اسم الله سبحانه، والكنايات لا تشعر بهذا المقصود.
وذكر شيخي رضي الله عنه: "أن لفظ التحريم يصير بالنّيّة إيلاء، حتى كأنه قال: والله لا أصبتك"، ولا نعرف خلافاً أنه لو قال لإحدى امرأتيه: والله لا أصبتك، ثم قال لصاحبتها: أشركتك معها، ونوى عقد اليمين عليها، فلا ينعقد اليمين. ومن ذكر الوجه الذي قدمناه في التحريم، قال في التحريم مشابهةُ اليمين؛ من حيث يتعلق به كفارة اليمين، قال الله تعالى في أول سورة التحريم: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، فاحتمل الانصراف إلى اليمين بما له من المشابهة مع اليمين في موجبها، وهذا لا يتحقق في لفظ الإشراك وما في معناه.
ثم لما ذكر الشيخ أبو علي الوجه الضعيف في وقوف وجوب الكفارة على الوطء وإن لم يكن التحريم يميناً، بنى عليه أمراً؛ فقال: إذا فرعنا على هذا الوجه، ومضت أربعة أشهر، فهل يكون الزوج مولياً، فإنه يلتزم بالوقاع بعد أربعة أشهر أمراً، وهذا عماد الإيلاء؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه يكون مولياً لما ذكرناه، كما لو قال: إن وطئتك، فعبدي حر، والوجه الثاني- أنه لا يكون مولياً؛ لبعد لفظه عن صيغ الأيْمان، وقد ذكرنا أنا وإن كنا نتصرّف على المعنى، فلا نطمع في طرده والكلامُ في الأصل، وكأنا على الجديد قد نشترط أن يلتزم بالوطء بعد أربعة أشهر أمراً إذا كان حالفاً، وكان الالتزام بطريق الحلف، حتى لا يبعد عن الأَلِيّة، والإيلاء.
وشبب الشيخ بمذهب مالك في الظهار، وقال: إذا ظاهر عن امرأته، ومضت أربعة أشهر، فلا يمتنع أن نجعله مولياً، ونطالبه مطالبة المولين على قولنا: إن العَوْد من المظاهر هو الجماع، فيتسق على هذا القول التزامُ الكفارة بالوطء.
وهذا بعيد جداً، ولا يسوغ عدّه من المذهب، وما ذكره في التحريم تفريع على وجه مزيف غير معتد به، ثم لو قدرناه ثابتاً، فليس التحريم كالظهار؛ فإن التحريم وإن وقعت الكفارة فيه على الوقاع، فهو لا يقتضي إيقاع تحريم، فينتظم المَهَلُ وضربُ الأجل، فإن مقتضاه التخيّر بين الوطء والترك، وهذا إنما يتحقق في التي ليست محرّمة، ولهذا حكمنا بأن الأسباب المحرَّمة فيها تمنع من انقضاء المدة واحتسابها، والظهار يتضمن التحريم، فلا يطابق الإمهال ويبعد عن وضع الإيلاء، فإن كنا نقول ونحن نفرع على أن العود هو الوطء: إن الوطء لا يحرُم بنفس الظهار، فيتجه حينئذ ما أشار إليه. وكل ذلك بُعدٌ عن مقتضى الأصول وتشويشٌ لها، فهذه فوائد أجراها الشيخ في مقدمة المسألة.
ونحن نخوض بعدها فنقول:
9518- إذا قال الرجل لامرأته: "أنت عليّ حرام"، وزعم أنه نوى بذلك الظهار، قبل منه.
ولو قال: أردت الطلاق، قبل منه.
ولو زعم أنه نواهما معاً جمعاً من غير فرض تقدم وتأخر في النية، فقد أجمع الأصحاب على أنهما جميعاً لا يحصلان جمعاً، قال ابن الحداد: قد حصل أحد المنويّين، فنقول للزوج: اختر الآن أيَّهما شئت، فإن اختار الظهار، كان ظهاراً.
وإن اختار الطلاق، كان طلاقاً. فمن أصحابنا من يوافقه على ما يقول. ومنهم من يزعم أن الطلاق يتعين ويندفع الظهار؛ فإن الطلاق أقوى وأنفذ، وأثره في الملك، فكان أولى في التنفيذ.
هذا إذا ذكر لفظ التحريم وزعم أنه نوى الطلاق والظهار معاً.
فأما إذا قال: نويت الطلاق والظهار جميعاًً، ولكن نويت أحدهما قبل الثاني على ترتب، وأتيت بالنيّتين على مساوقة اللفظ، فهذا إخبار منه عن وقوع النيتين في وقتين لطيفين، قال ابن الحداد: إن نوى الظهار أولاً، ثم الطلاق بعده، حصلا جميعاًً، وهذا رجل ظاهر ولم يعد، فإنه أعقب الظهار بالطلاق، فكان كما لو قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي أنت طالق.
وإن نوى الطلاق أوّلاً، ثم الظهار، وقع الطلاق، ثم نُظر: فإن كان الطلاق بائناً؛ فإنه واقع، ولا معنى للظهار بعده، وإن كان الطلاق رجعياً، وقع، وكأنه ظاهر عن رجعية.
قال الشيخ أبو علي هذا الذي قاله غلط عندي، ولا سبيل إلى تحصيل الأمرين جميعاًً؛ فإن اللفظ واحد، وإذا اتحد اللفظُ استحال تعلّق الحكمين به، ولا أثر للتقدم والتأخر، والحكم في هذه الصورة كالحكم فيه إذا نواهما معاً، ثم فيه وجهان تقدم ذكرها.
9519- وفي هذا مزيد نظر يستدعي تقديم وجهٍ حكاه العراقيون. قالوا: إذا ذكر الرجل كناية من كنايات الطلاق ونوى الطلاق، نظر: فإن انبسطت النية على اللفظ على قدر الطلاق، وقع الطلاق. وإن قارنت النية بعض اللفظ وتمّت وبعضُ اللفظ باقٍ، وابتداء النية بعد ما مضى صَدْرُ اللفظ، ثم انطبق نجازها على نجاز اللفظ، ففي وقوع الطلاق خلاف حكَوْه، فإذا قلنا: لا يقع، فقياس هذا يقتضي إذا ترتّبت النيّتان في وقتين مقترنين باللفظ ألاّ يقع الطلاق ولا الظهار؛ فإن واحدة من النيتين ما انبسطت على جميع اللفظ.
9520- فنعود بعد ذلك إلى مسألة الكتاب، ونبيّن ما يجري فيها من الأقسام، فإذا قال لامرأته: أنت عليّ حرام كظهر أمّي، فالمسألة تنقسم أقساماً، ونحن نأتي عليها، إن شاء الله تعالى، ونذكر في كل قسم ما يليق به.
فإن قال: أردت بقولي: "أنت عليّ حرام طلاقاً، ولم أنوِ بباقي الكلام شيئاً"، فالمذهب أن الطلاق يقع، ولا يحصل الظهار، ويكون كما لو قال؛ أنت طالق كظهر أمي، فإن لفظ التحريم مع نية الطلاق ينزله منزلة صريح لفظ الطلاق.
وقد ذكر أصحابنا في المسألة قولاً آخر: أن الظهار يحصل دون الطلاق؛ فإنه صرّح بالظهار، وكنّى عن غيره، والصريح الملفوظ أقوى، وبالنفوذ أولى من المكنّى.
والقسم الثاني- أن يقول: نويت بقولي: "أنت عليّ حرام ظهاراً، ولم أنو غيره"، فيصير مظاهراً بقوله: أنت علي حرام ويكون قوله كظهر أمي تأكيداً لما مضى.
9521- والقسم الثالث: أن يقول: أردت الطلاق والظهار جميعاًً، وهذا ينقسم: فإن قال: أردتهما جميعاًً بقولي: "أنت عليّ حرام، وأتيت بالنية مع هذا اللفظ دون ما بعده"، قال الشيخ: ففي هذه المسألة ثلاثة أوجه- أحدها: أنه يقال له: اختر، فلا سبيل إلى تحصيلهما جميعاًً، ولابد من أحدهما.
والوجه الثاني- أن الطلاق ينفذ دون غيره، وقد وجهنا هذا الوجه فيما تقدم.
والوجه الثالث: أن النافذَ الظهارُ في هذه الصورة؛ فإنه أقوى من الطلاق إذ في الكلام بوحٌ يذكره تصريحاًً فتغليب ما فيه لفظٌ صريح في معناه أولى.
ولو قال: أردت بقولي: أنت عليّ حرام طلاقاً، وبقولي كظهر أمي ظهاراً، أما الطلاق، فإنه يقع على الصحيح، وهو الذي عليه نفرّع في هذه المسألة، ثم إن كان الطلاق بائناً، فلا معنى للظهار بعده، وإن كان رجعياً، فقد ظاهر عن رجعية، فيثبت الظهار، ثم لا يكون عائداً حتى يرتجعها.
قال الشيخ: من أصحابنا من قال في هذه الصورة: إنه ينفذ الطلاق، ولا يصح الظهار أصلاً؛ لأنه قد استغرق قولَه: "أنت عليّ حرام" بالطلاق، فبقي قوله: "كظهر أمي"، وهذا كلام غير مستقل بنفسه، فلا يصلح لكونه كناية، وليس صريحاً أيضاً لنقصانه.
وهذا مردود مزيف؛ فإن إشعاره بالظهار لا ينكر، والكلام منتظم على ما ذكرناه.
ولو قال: أردت بقولي: "أنت علي حرام" ظهاراً، وبقولي: "كظهر أمي" طلاقاً"، حصل الظهار، ولم ينفذ الطلاق. هكذا قال الشيخ، وعلل بأن قوله كظهر أمي صريح في موضوعه وبابه.
ولو قال قائل يقع الطلاق؛ من حيث إن قوله: كظهر أمي ليس مستقلاً بنفسه، لم ينفذ، وإلى هذا أشار شيخي، والاحتمال فيه ظاهر.
ولو قال: "أردت بقولي: أنت علي حرام تحريمَ عينها، ولم أنو غيره" فإن قلنا: التحريم صريح في ذلك، كما قدمنا ذكره في الطلاق، فيثبت ما قاله لا شك فيه، ويلزمه كفارة اليمين على التفصيل المقدم، ولا يثبت الظهار أصلاً، ويكون ذلك في حكم التحريم بمثابة ما لو قال: "أنت طالق كظهر أمي"، فيقع الطلاق دون الظهار.
وإن قلنا: لفظ التحريم كناية في تحريم العين وإيجاب الكفارة، كما أنه كناية في الطلاق، فإذا قال: نويت به التحريم الملزم للكفارة، ولم أنو غيره، فالمذهب أن التحريم يحصل دون الظهار.
وفي المسألة القول البعيد أنه يحصل الظهار دون التحريم، وتكون نية التحريم في مقتضاها كنية الطلاق، ثم لو نوى به الطلاق، ففي المسألة قول بعيد أنه يحصل الطلاق، ويحصل الظهار، فكذلك إذا نوى تحريم العين، وجعلناه كناية فيه، فيخرج فيه قول آخر أنه لا يحصل التحريم ويحصل الظهار.
9522- ومن بقية هذه المسألة أنه لو أطلق التحريم، وقال: أنت علي كظهر أمي، ولم يَنْوِ شيئاً، فإن قلنا: التحريم صريح في تحريم العين، فتلزم كفارة اليمين، وإن قلنا: إن التحريم كناية في تحريم العين، ولم ينو شيئاً، قال الشيخ: فينبغي أن يصير مظاهراً، ويلغو قوله حرام، فيبقى قوله: أنت علي كظهر أمي، وهذا حسن فقيه.
ثم قالوا لو ذكر اللفظَ على الصيغة التي ذكرناها، ثم قال: أردت به ظهاراً لا بل طلاقاً، فقد قال الأصحاب يحصلان جميعاًً، فإنه أقرّ بهما.
قال الشيخ: هذا محتمل عندي، فإنه يحتمل أن يجعل كأنه نواهما معاً بقوله: أنت علي حرام، وقد قدمنا في ذلك تفصيلاً.
فهذا نهاية البسط على أبلغ وجهٍ في البيان.
فصل:
قال: "ولو قال لأخرى: أشركتك معها... إلى آخره".
9523- إذا ظاهر عن واحدة، ثم قال لأخرى: أشركتك معها، أو أنت شريكتها، أو أنت كهي، فإن لم ينو الظهار، فليس بظهار، وإن نوى الظهار، فقولان.
وضبط المذهب يظهر بذكر مرتبتين متعارضتين، وإيقاع الظهار بينهما. فإذا قال لإحدى امرأتيه: أنت طالق، ثم قال لأخرى: أنت شريكتها، ونوى تطليقها، وقع الطلاق.
ولو قال لإحدى امرأتيه: والله لا أجامعك، ثم قال لأخرى أنت شريكتها، ونوى الإيلاء عنها، فلا يحصل الإيلاء بما ذكرناه من أن هذا إحالة اليمين، وإزالة صيغتها بالكلية.
أما الظهار، فإنه بين الطلاق والإيلاء.
وقد ذكر الأئمة قولين في أنه هل يُلحَق بالطلاق في مشابهه وأحكامه أم يلحق بالإيلاء؟ وسيدور القولان، ويتشعب عنهما مسائلُ جمة في الكتاب: فإن ألحقناه بالطلاق، فلفظ الإشراك مع نية الظهار يُثبت الظهار، وإن ألحقناه بالإيلاء، فلا يحصل الظهار بلفظ الإشراك، كما لا يحصل الإيلاء بلفظ الإشراك، فإن قيل: تشبيه الظهار بالطلاق من جهة أنه يحرّم تحريمَه بيّنٌ، فما وجه تشبيهه بالإيلاء؟ قلنا: الظهار لا يبتّ الملك ولا يؤثر فيه بالتوهين كالإيلاء، ويتعلق بكل واحد منهما كفارة.
فصل:
قال: "ولو تظاهر عن أربع نسوة بكلمة واحدة... إلى آخره".
9524- صورة المسألة: رجل تحته أربع نسوة تظاهر عنهن بكلمة واحدة: فقال: أنتن عليّ كظهر أمي، فإن طلقهن عقيب اللفظ، فليس عليه كفارة، فإنه ظاهر ولم يعد، وإن أمسكهن حتى مضى زمان إمكان الطلاق، ففي المسألة قولان: أظهرهما- أنه يلزمه أربع كفارات؛ نظراً إلى عدد اللواتي ظاهر عنهن.
والقول الثاني- أنه يلزمه كفارة واحدة؛ اعتباراً باتّحاد اللفظ، والقولان يبتنيان على أن المغلَّب في الظهار مشابه الطلاق أو مشابه اليمين. فإن قلنا: المغلب معنى الطلاق، تعددت الكفارات، كما تتعدد الطلقات إذا قال: طلقتكن، ويلحق كل واحدة منهن طلقة، ولا يستقيم على السبر إلا هذا القول؛ فإنه إذا ظاهر عنهن، فقد ثبت التحريم في حق كل واحدة منهن، وهن متميزات، والتحريم في حق كل واحدة صفة شرعية لها، ويظهر بهذا تعدد التحريم، فإذا تعدد التحريم، فليتعلق كل تحريم بعَوْد وكفارة.
وإن غلبنا جهة اليمين، فالواجب كفارة واحدة، كما لو حلف لا يطؤهن، فإنه لا يلتزم بوطئهن إلا كفارة واحدة، وهذا القول ضعيف، وإن كان مشهوراً.
ويمكن تقريب القولين بما إذا قذف جماعة بكلمة واحدة، فإن للشافعي قولين:
أحدهما: يلزمه حدٌّ واحد لاتحاد اللفظ.
والثاني: يلزمه حدودٌ لتعدد المقذوف وتعدد حكم التعيين والجناية على العرض، فالمعنى متعدد وإن اتحد اللفظ، وقد نُقرّب هذا بما إذا حنث في يمينين بفعل واحد، فإنا ذكرنا اختلافاً في أن الكفارة تتّحد أم تتعدد.
9525- فهذه أصول متشابهة، وأقرب أصل بما نحن فيه شبهاً قذفُ الجماعة بكلمة واحدة، فإن قلنا: يلزمه أربع كفارات، فلو طلق البعضَ معقباً باللفظ، أو مات بعضهن على أثر اللفظ، فتسقط الكفارة التي كانت تقابل التي ماتت، وكذلك لا تجب الكفارة في حق التي طلقت على الاتصال.
وإن قلنا: الواجب كفارة واحدة في ظهارهن، فلو ماتت ثلاثٌ منهن على أثر اللفظ أو طلق ثلاثاًً منهن، وعاد في الرابعة، فالكفارة تلزم، وليس كما لو حلف لا يجامعهن، فإنه لا يلزم الكفارة ما لم يجامع جميعَهن، حتى لو فات الجماع في واحدةٍ، لم يلتزم الكفارة أصلاً.
والسبب فيه أن اليمين لا توجب الكفارة إلا عند تحقق الحِنث، والحِنثُ يحصل بجماعهن، وكفارة الظهار لا تتعلق بحنث، وإنما تتعلق بزور ومنكر يحُقِّقُه العَوْدُ، فإذا ظهر ذلك وثبت في واحدة وإن لم يظهر في ثلاث، فيتحقق موجب الكفارة.
وقيل: الظهار وإن ألحقناه باليمين، فهو نازعٌ إلى الطلاق، وهذا كلام مطلق يشعر بعجز المقدِّر.
وكان شيخي يحكي في تعليل ذلك عن شيخه القفال: أن الظهار نازع إلى الطلاق، فيبقى لذلك الحكم في الحيَّة، ولم تتعدد الكفارة للنزوع إلى الأيمان، وهذا شأن كل أصل يتجاذبه أصلان فيؤثر عليه مقتضاهما.
وهذا كلام مضطرب؛ فإن كل واحدٍ من القولين إنما ينتظم بتغليب أحد الشبهين، فإذا أردنا تغليبهما، والجمعَ بينهما، لم يستقم، وفيما قدّمته من الفرق بين اليمين وبين الظهار أكمل مقنع.
وبالجملة لا يُتلَقى اتحاد الكفارة من مشابهة الأيمان، وإنما استيفاؤه من قذف الجماعة بالكلمة الواحدة كما قدمناه.
وكل ما ذكرناه فيه إذا تظاهر عن النسوة بالكلمة الواحدة.
9526- فأما إذا أفرد كلّ واحدة بكلمة، وخاطبها بظهار منفرد، فلا شك في تعدد الظهار، ثم ظهاره عن الثانية عَوْدٌ في حق الأولى، والظهار عن الثالثة عوٌد عن الثانية، والظهار عن الرابعة عود في حق الثالثة، فإن عاد في حق الرابعة بأن أمسكها زمانَ إمكان الطلاق، لزمته أربع كفارات، وإن طلق الرابعة لما ظاهر عنها، فيلزمه ثلاث كفارات بسبب الثلاث المتقدّمات، إذ قد تحقق في حقوقهن الظهار والعَوْدُ جميعاًً.
أما الظهار، فبيّن: مأخوذ من تعدد الألفاظ، وتعدد المحل، ولا يبقى بعد التعدد في هذين سبب مانع من الحكم بالتعدد في الظهار.
أما العَوْد، فقد حققناه؛ إذ قلنا: اشتغاله بالظهار للثانية تركٌ منه لطلاق الأولى، وكذلك القول إلى الرابعة.
9527- ولو قال لأربع نسوة: حرّمتكن وقصد تحريمهن بأعيانهن، ففي اتحاد الكفارة وتعددها ما في تعدد كفارة الظهار واتحادها، على ما تقدم.
وكل هذا فيه إذا خاطب نسوةً بكلمة أو كلمات.
9528- فأما إذا كرر الظهار في امرأة واحدة، فقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم قال مثلَ ذلك ثانية وثالثة إلى غير ذلك، فلا تخلو هذه الكَلِم إما أن يأتي بها متواصلة من غير تخلل فَصْلٍ، وإما أن يأتي بها متقطعة مع تخلل فواصل، فإن أتى بها متصلات وِلاءً، و زعم أنه أراد بجميع الألفاظ ظهاراً واحداً، وإنما كررها تأكيداً، فالظهار واحد، والكفارة واحدة، إذا وجبت، كما ذكرناه في الطلاق والإيلاء، ثم إن فرغ من الألفاظ المتواصلة، وسكت عن الطلاق حتى مضى زمان إمكانه، فتلزمه الكفارة.
وإن أتى بهذه الكلمات على التواصل، ثم عقبها بالطلاق، فظاهر المذهب أنه ليس بعائد، ولا تلزمه الكفارة.
ومن أصحابنا من قال: تلزمه الكفارة.
توجيه الوجهين: من قال تلزمه الكفارة، احتج بأنه أخر الطلاق لمّا اشتغل بالتأكيد على زعمه مع تمكنه من تعقيب الكلمة الأولى بالطلاق، فإذا لم يفعل، كان اشتغاله بالتكرير والتأكيد تركاً منه للطلاق وعوْداً.
ومن قال بالوجه الثاني، احتج بأن الكلمة إذا تكررت على شرطها في التواصل، فهي كالكلمة الواحدة، ولا يتخللها حكم بتقصير أو تأخير، وكأن المؤكِّد إنما فرغ من كلامه عند فراغه من الكلمة الأخيرة، وهذا الوجه أفقه، إن شاء الله تعالى.
9529- ولو كرر الكلمَ، وزعم أنه أراد بكل كلمةٍ ظهاراً جديداً، فالمذهب أن الظهار يتعدد، ثم ننظر بعد ذلك في الكفارة، كما سنذكره في أثناء الفصل، إن شاء الله تعالى، وفي بعض التصانيف أنه وإن نوى التجديد والاستئناف؛ فيُخرَّج خلافٌ في اتحاد الكفارة وتعددها، وهذا القائل يقول: إذا تعددت الكَلِم على قصد التجديد واتحد المحلّ، كان كما لو تعدد المحل واتّحدت الكلمة، فيخرج على قولين.
وهذا بعيد.
وحاصل المذهب أن المحالّ إذا تعددت، وتعدّدت الكَلِم أيضاًً، فالقطع بتعدد الظهار والكفارة إذا تعدد العود.
وإن اتحدت الكلمة وتعدد المحل، ففي تعدد الكفارة قولان.
وإذا تعددت الكَلِم، واقترن بها قصد الاستئناف والتجديد، واتحد المحل، ففي المسألة طريقان:
أحدهما: القطع بتعدد الظهار والكفارات إذا تحقق العَوْد، كما سنصفه.
والطريقة الأخرى- حَملُ المسألة على قولين، كما لو تعدد المحل واتحدت الكلمة.
وذكر العراقيون مسلكاً آخر، فقالوا: إذا ظاهر عن امرأته وعاد، ولم يكفر، ثم ظاهر مرة أخرى بعد تخلل زمان متطاول، فهل يصح منه الظهار حتى إذا عاد فيه تلزمه الكفارة؟ فعلى قولين:
أحدهما: أنه لا يصح الظهار ما لم يكفر ظهارَه الأول.
وهذا قريب مما ذكرناه في تعدد الكلم مع قصد الاستئناف، ولكنهم عبروا عنه بهذه العبارة، ويمكن أن يقال: مأخذه من تكرير القذف بكلم على مقذوف واحد، مع تعدد الزمان المخبَر عنه؛ فإنه إذا اتحد، فلا حكم لتعدد الإخبار عنه، وإذا كنا نأخذ الظهار عن نسوة بكلمةٍ عن قذف جماعة بكلمةٍ، فلا بُعْد في أخذ الظهار عن امرأة بكلمات من قذف رجل بكلمات ونسبته إلى زَنْيات.
وهذا غير سديد؛ فإن القذف يوجب الحد، ومن قضايا الحد الاندراج إذا اتحد جنس الواجب ولم يتخلل استيفاءُ الحد، وهذا المعنى لا يجري في الكفارات، فالوجه أن نفرِّع على أن الظهار يتعدد بتعدد الكلم إذا قَصَد مُطْلِقها الاستئنافَ والتجديدَ.
9530- ثم إذا أتى بهذه الكلم المتواصلة على قصد التجديد والاستئناف، فلا يخلو إما أن يطلِّق عقيب الفراغ منها، وإما ألا يطلق، فإن طلق، فهل نجعله عائداً في الظهار الأول؛ بسبب الاشتغال بالظهار الثاني أم كيف الوجه؟ في المسألةِ وجهان:
أحدهما: أنه يكون عائداً في كل ظهار يسبق إذا اشتغل بظهار بعده؛ فإنه بالاشتغال بالظهار يكون تاركاً للطلاق، وهذا أقيس الوجهين في صورة التجديد.
والوجه الثاني- أنا لا نجعله عائداً، فإن كل ما يأتي به جنسٌ واحد؛ وإن كان له حكم التجديد، فما لم يفرغ عن هذا الجنس لا نجعله عائداً.
وهذا ضعيف عندنا، ولكن حكاه القاضي وغيرُه، والوجه أن يرتب على صورة التكرير والتأكيد، فإن جعلنا المؤكِّد عائداً، فلأن نجعل المجدد عائداً أولى.
وإن قلنا: لا يكون المكرر المؤكِّد عائداً، ففي المسألة وجهان، والفرق أن التأكيد في حكم الجزء من الكلام المؤكَّد، فكأنْ لا فراغَ عنه ما لم ينقض التأكيد، وأما التجديد، فمن ضرورته قطعُ الكلام الأول واستئنافُ آخر.
فإذا فرعنا على الأصح، نظرنا في عدد الألفاظ، وجعلنا كلَّ لفظة عَوْداً في التي قبلها، ثم نظرنا إلى اللفظة الأخيرة؛ فإن استعقبت سكوتاً، فقد تحقق العَوْد فيها أيضاًً، فيجب الكفارةُ بأعداد الكلم، وإن عقب الكلمة الأخيرةَ بالطلاق، فلم يَعُد فيها، فلا كفارة عليه بسببها، وتجب الكفارات بأعداد الكلم التي قبلها. فإذاً أوضحنا أنه صار عائداً فيها على الأصح، هذا إذا واصل الكلام ونوى به تأكيد أو تجديداً.
فأما إذا أطلق الألفاظ، ولم ينو تأكداً ولا تجديداً، ففي المسألة قولان كالقولين في نظير هذه المسألة من مسائل الطلاق، فإن قلنا: إن الألفاظ محمولةٌ على التأكيد، فقد مضى حكم التأكيد. وإن قلنا: إنها محمولة على التجديد، فقد مضى حكم التجديد، وكل ذلك والألفاظ متواصلة.
9531- فأما إذا أتى بها متقطعةً منفصلةً وتخلل بينهما من الأزمنة ما يمنع الحمل على التأكيد على العادة الجارية فيه، أما العراقيون، فإنهم أجرَوْا القولَ الضعيف الذي حكَوْه، وقالوا: لا يصح الظهار الثاني وما بعده إذا لم يتخلل تكفير، وهذا وجه مزيّفٌ لا أصل له، ولا عوْد إليه.
فنقول إذاً: إذا تقطعت الكلم وقصد بكل كلمة ظهاراً، فقد تعدد الظهار، فإذا تعدد العَوْد، تعددت الكفارات.
ولو قال: قصدت التكرار وإعادة عين ما تقدم، ففي بعض التصانيف أن جواب القفال اختلف في ذلك، فقال مرة: يقبل ذلك منه، وقال مرة: لا يقبل، وهذا فصلٌ قد قررناه فيما سبق عند ذكرنا أن كَلِمَ الإيلاء إذا تعددت مع تخلل الفواصل يجوز أن تحمل على التكرار والاتحاد تشبيهاً بالإقرار، وفيه تردد قدمته.
فاختلاف جواب القفال في الظهار ينبني-بعد التنبيه- على ما ذكرناه، وهو أن تغليب شوْب الطلاق في الظهار أغلب أم تغليب شوب الإيلاء؟ فإن رأينا تغليبَ الطلاق، فلا يقبل منه دعوى التكرار، وكل لفظ يصدر منه ظهارٌ جديد، ككلم الطلاق وقد تخللتها الفواصل.
وإن قلنا: شوبُ الإيلاء أغلب، فهو ككَلِم الإيلاء إذا تكررت وبينها الفواصل، هذا إذا قال: قصدت التجديد أو التكرار، وليس من الحصافة ذكرُ عبارة التأكيد في هذا المقام؛ فإن التأكيد إنما يجمُل موقعه إذا توالت الألفاظ، وهذا يَذْكُر التكرارَ، وقد يثبت مذهبُ التكرار مع الفواصل، كما ذكرناه في الإقرار.
فأما إذا أطلق هذه الألفاظ وقد تخلّلتها الفواصل، فالوجه عندنا حملُها على الاستئناف والتجديد، لا على التكرار.
فصل:
قال: "ولو قال: مهما تظاهرتُ من فلانة الأجنبية... إلى آخره".
9532- إذا كانت له امرأتان: حفصة وعمرة، فقال لحفصة: إن تظاهرت عنك، فعمرة عليّ كظهر أمي، فتظاهر عنها، ثبت الظهار عنهما جميعاً، أما حفصة فقد نجّز ظهارها، وأما عمرة، فقد كان علق الظهار عنها على الظهار عن حفصة، وقد ظاهر عن حفصة، فحصل الظهار عنهما تنجيزاً وتعليقاً.
ولو قال: إذا تظاهرتُ عن إحداكما، فالأخرى عليَّ كظهر أمي، ثم تظاهر عن إحداهما، انعقد الظهار فيهما تنجيزاً وتعليقاً، كما تقدم.
9533- ولو قال: إن تظاهرتُ عن فلانة، وسمى امرأةً أجنبيةً، فأنت عليّ كظهر أمي-خاطب زوجته- فلا شك أن الظهار عن الأجنبية لا يصح، فلو نكحها وظاهر عنها والزوجية قائمة في التي كان علق ظهارها أولاً، فيصير مظاهراً عنها؛ فإن الصفة التي علق ظهارها عليها قد تحققت.
ولو قال لتلك الأجنبية: أنت علي كظهر أمي، لم يحنَث في زوجته، ولم يصر مظاهراً عنها، فإن الذي أجراه لم يكن ظهاراً، وإنما كان لفظَ الظهار، والتعليقاتُ بالعقود والحلول محمولةٌ عندنا على ما يصح منها، ولا يقع الاكتفاء بالألفاظ فيها.
فإن قال: أردت بقولي إن تظاهرت عن فلانة مخاطبتَها بهذا القول، ولم أُرد غير صورة القول، فيصير مظاهراً عن امرأته حينئذ بإجراء هذا القول مع الأجنبية، فإنّ ما ذكره من الحمل على القول ممكنٌ وإن كان بعيداً، وقد ذكرنا أن المحامل البعيدة مقبولة في تحقيق الحِنْث، وإنما نرى المحاملَ البعيدة ظاهراً في ردّ الحنث، حتى نقول: الأمر مردود إلى الباطن ومقتضى التديين.
هذا إذا قال: إن ظاهرت عن فلانة-وقد كانت أجنبية-، وهو لم يتعرّض في يمينه لذكر كونها أجنبية، فأما إذا قال: إن ظاهرت عن فلانة أجنبيةً، فأنت علي كظهر أمي، فقد شرط في الظهار عن المذكورة أن تكون أجنبية، وليس يخفى أن الظهار لا يصح مع الشرط الذي ذكره، قال الأصحاب: هذا تعليق بصفة لا تكون؛ فلا يحكم بحصول الظهار.
وقال المزني: هذا محمول على لفظ الظهار، فإذا قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، فقد تحققت الصفة، وهذا كما لو قال: إن اشتريت الخمر، فأنت طالق، فإذا اشترى الخمر كما يشتري الخمر طالبوها، وقع الطلاق، والأصحاب على مخالفة المزني، ومنهم من يشبّب بموافقته، وسنذكر هذا المذهب للمزني وخوض الأصحاب معه في الكلام في كتاب الأيمان، إن شاء الله عز وجل.
وإذا كان قال: إن تظاهرت عن فلانة أجنبيةً، فأنت علي كظهر أمي، فلو نكح تلك المعيّنة وظاهر عنها في النكاح، صح الظهار، ولم يحصل الحنث؛ فإنه شرط في الحنث وقوع الظهار في حالة كونها أجنبية، فإذا ظاهر عنها بعد النكاح، فليس هذا الظهار الذي ذكره، ولو أنه أراد لفظ الظهار، ثم قال للأجنبية: أنت علي كظهر أمي، فيصير مظاهراً عن زوجته، كما قدمناه.
ولو قال: إن ظاهرتُ عن فلانة الأجنبية، فأنت عليّ كظهر أمي، فلو نكحها، ثم ظاهر عنها، فهل يصير مظاهراً عن زوجته، وقد صح الظهار عن تلك التي نكحها؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه يصير مظاهراً عن زوجته، كما لو قال: إن ظاهرت عن فلانة ولم يتعرض لكونها أجنبية.
والوجه الثاني- أنه لا يصير مظاهراً عن زوجته، لأنه ذكر تلك المرأة ووصفها بكونها أجنبية؛ إذ قال: إن ظاهرتُ عن فلانة الأجنبية، فإذا نكحها خرجت عن كونها أجنبية، وحقيقة الوجهين تنزِع إلى أن قوله: "فلانة الأجنبية" هل يقع شرطاً أم هي للتعريف والإعلام لا للاشتراط؟ وفيه الخلاف.
وقد دار الكلام على ثلاث صور: إحداها- أن يقول: إن ظاهرت عن فلانة من غير أن يتعرض لكونها أجنبية.
والثانية- أن يقول: إن ظاهرت عن فلانة أجنبيةً، أو قال: إن ظاهرت عن فلانة وهي أجنبية، فهذا اشتراط.
والثالثة- أن يقول: إن ظاهرت عن فلانة الأجنبية، وهذا مردّدٌ بين التعريف وبين الشرط.